فصل: قال عضد الدين الإيجى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الاعتراض أما على الوجه الأول فمن وجوه:
الأول إن موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها.
وإطلاق اسم الملزوم على اللازم شائع سيما استعمال رأى بمعنى علم.
وأرى بمعنى أعلم.
فكأنه قال اجعلني عالما بك علما ضروريا.
وهذا تأويل أبي الهذيل العلاف وتبعه فيه الجبائي وأكثر البصريين.
والجواب إن الرؤية وإن استعملت للعلم لكنها إذا وصلت ب إلى فبعيد جدا.
والصواب أن يقال لو كانت الرؤية المطلوبة في أرني بمعنى العلم لكان النظر المترتب عليه بمعناه أيضا.
والنظر وإن استعمل بمعنى العلم إلا أن استعماله فيه موصولا بإلى مستبعد مخالف للظاهر قطعا ومخالفة الظاهر لا تجوز إلا لدليل ولا دليل ههنا.
فوجب حمله على الرؤية بل على تقليب الحدقة نحو المرئي المؤدي إلى رؤيته فيكون الطلب للرؤية أيضا ثم نقول يمتنع حملها المؤدي إلى رؤيته فيكون الطلب للرؤية أيضا ثم نقول يمتنع حملها أي حمل الرؤية المطلوبة عليه أي على العلم الضروري ههنا.
أما أولا فلأنه يلزم أن لا يكون موسى عالما بربه ضرورة.
مع أنه يخاطبه.
وذلك لا يعقل لأن المخاطب في حكم الحاضر المشاهد.
وما هو معلوم بالنظر ليس كذلك.
وأما ثانيا فلأن الجواب الحاضر المشاهد.
وما هو معلوم بالنظر ليس كذلك.
وأما ثانيا فلأن الجواب ينبغي أن يطابق السؤال.
وقوله لن تراني نفي للرؤية لا للعلم الضروري بإجماع المعتزلة.
فلو حمل السؤال على طلب العلم لم يطابقا أصلا.
الثاني من وجوه الاعتراض على الأول أنه لم يسأله إراءة ذاته بل سأل أن يريه علما وأمارة من أعلامه وأماراته الدالة على الساعة وتقدير الكلام أنظر إلى علمك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه فقال انظر إليك نحو واسأل القرية أي أهلها.
فتكون الرؤية المطلوبة.
متعلقة بالعلم أيضا.
والمعنى أرني علما من أعلامك انظر إلى علمك وهذا تأويل الكعبي والبغداديين.
والجواب إنه خلاف الظاهر فلا يرتكب إلا لدليل ومع ذلك لا يستقيم.
أما أولا فلقوله لن تراني فإنه نفي لرؤيته تعالى لا لرؤية علم من أعلام الساعة بإجماعهم.
فلا يطابق الجواب السؤال حينئذ.
وأما ثانيا فلأن تدكدك الجبل الذي شاهده موسى عليه السلام من أعظم الأعلام الدالة عليها فلا يناسب قوله ولكن انظر إلى الجبل المنع من رؤية الآية.
أي العلامة الدالة على الساعة المستفاد من قوله لن تراني على هذا التأويل بل يناسب رؤيتها.
وأيضا قوله فإن استقر مكانه لا يلائم رؤيتها لأن الآية في تدكدك الجبل لا في استقراره.
الثالث من تلك الوجوه إنما سألها بسبب قومه لا لنفسه لأنه كان عالما بامتناعها.
لكن قومه اقترحوا عليه وقالوا أرنا الله جهرة وإنما نسبها إلى نفسه في قوله أرني ليمنع عن الرؤية فيعلم قومه امتناعها بالنسبة إليهم بالطريق الأولى وفيه مبالغة لقطع دابر اقتراحهم.
وفي أخذ الصاعقة لهم دلالة على استحالة المسئول.
وهذا تأويل الجاحظ ومتبعيه.
والجواب إنه خلاف الظاهر فلابد له من دليل ومع ذلك لا يستقيم.
أما أولا فلأنه لو كان موسى مصدقا بينهم لكفاه في دفعهم أن يقول هذا ممتنع بل كان يجب عليه أن يردعهم عن طلب ما لا يليق بجلال الله كما زجرهم.
وقال إنكم قوم تجهلون عند قولهم اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وإلا أي وإن لم يكن مصدقا بينهم بل كان القوم كافرين منكرين لصدقه لم يصدقوه أيضا في الجواب ب لن تراني إخبارا عن الله تعالى لأن الكفار لم يحضروا وقت السؤال ولم يسمعوا الجواب.
بل الحاضرون هم السبعون المختارون.
فكيف يقبلون مجرد إخباره مع إنكارهم لمعجزاته الباهرة.
وأما ثانيا فلأنهم لما سألوا وقالوا أرنا الله جهرة زجرهم الله تعالى وردعهم عن السؤال بأخذ الصاعقة فلم يحتج موسى في زجرهم إلى سؤال الرؤية وإضافتها إلى نفسه.
وليس في أخذ الصاعقة دلالة على امتناع المسؤول لأنهم لم يروا إلا أن أخذتهم الصاعقة عقب سؤالهم.
وليس في ذلك ما يدل على امتناع ما طلبوه بل جاز أن يكون ذلك الأخذ لقصدهم إعجاز موسى عن الإتيان بما طلبوه تعنتا مع كونه ممكنا فأنكر الله ذلك عليهم وعاقبهم.
كما أنكر قولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا وقولهم أنزل علينا كتابا من السماء بسبب التعنت.
وإن كان المسؤول أمرا ممكنا في نفسه فأظهر الله عليهم ما يدل على صدقه معجزا ورادعا لهم عن تعنتهم.
الرابع من وجوه الاعتراض على الأول أنه سألها لنفسه وإن علم استحالتها بالعقل ليتأكد دليل العقل بدليل السمع فيتقوى علمه بتلك الاستحالة.
فإن تعدد الأدلة وإن كانت من جنس واحد تفيد زيادة قوة في العلم بالمدلول.
فكيف إذا كانت من جنسين.
وإنما سأل هذا السؤال وفعله فعل إبراهيم وسؤاله حين قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال: {أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} فقد طلب الطمأنينة فيما يعتقده ويعلمه بانضمام المشاهدة إلى الدليل.
والجواب أن العلم لا يقبل التفاوت فإنه كما مر صفة توجب تمييزا لا يحتمل متعلقه النقيض بوجه من الوجوه.
ولذلك يؤول قول الخليل تارة بما يضعف وهو أنه مخاطبة منه لجبريل عند نزوله إليه بالوحي ليعلم أنه منه عند الله وضعفه أنه خاطب الرب وجبرائيل ليس برب.
وأيضا إحياء الموتى ليس مقدورا لجبرائيل فكيف يطلب منه وتارة بما يقوى وهو ما روي من أنه أوحى الله تعالى إليه أني اتخذت إنسانا خليلا وعلامته أني أحيي الموتى بدعائه فظن إبراهيم أنه ذلك الإنسان فطلب الإحياء ليطمئن به قلبه مع أنه كان يمكنه أي يمكن موسى ذلك أي طلب التأكد من غير ارتكاب سؤال ما لا يمكن من الرؤية بأن يطلب إظهار الدليل السمعي على استحالتها بلا طلب فيكون حينئذ طلبها خارجا عما يليق بالعقلاء خصوصا الأنبياء.
الخامس من تلك الوجوه أنه قد لا يعلم امتناع الرؤية ولا يضر ذلك في نبوته مع العلم بالوحدانية لأن المقصود من وجوب معرفته عندنا هو التوصل إلى العلم بحكمته.
وأنه لا يفعل قبيحا والغرض من البعثة هو الدعوة إلى أنه تعالى واحدا.
وأنه كلف عباده بأوامر ونواه تعريضا لهم إلى النعيم المقيم.
وذلك لا يتوقف على العلم باستحالة رؤيته.
وأما من جعل الوجوب شرعيا فعنده يجوز أن لا تكون شريعة موسى آمرة بمعرفة أنه تعالى يستحيل رؤيته أو يعلم موسى امتناع الرؤية.
والسؤال بطلبها صغيرة لا تمتنع على الأنبياء.
والجواب إلتزام أن النبي المصطفى المختار بالتكليم في معرفة الله تعالى وما يجوز عليه ويمتنع دون آحاد المعتزلة ودون من حصل طرفا من علم الكلام هي البدعة الشنعاء والطريقة العوجاء التي لا يسلكها واحد من العقلاء.
واحتجاجنا بلزوم العبث على تقدير العلم بالاستحالة وهو ما تنزه عنه من له أدنى تمييز فضلا عن الأنبياء.
كيف ومثل هذا التجاسر على الله تعالى بطلب ما لا يجوز عليه ويشعر بالتجسم على رأيكم لا يعد من الصغائر بل من الكبائر التي يمتنع صدورها عنهم وعلى تقدير كون السؤال من الصغائر نقول في جوازها من الأنبياء ما سيأتي من المنع والتفصيل.
وأما على الوجه الثاني أي الاعتراض عليه فمن وجهين:
الأول إنه علق الرؤية على استقرار الجبل.
إما حال سكونه أو حال حركته.
الأول ممنوع.
والثاني مسلم.
بيانه أنه لو علقه أي وجود الرؤية عليه حال سكونه لزم وجود الرؤية لحصول الشرط الذي هو الاستقرار.
وهو باطل فإذن قد تعين أنه علقه عليه حال حركته.
ولا خفاء في أن الاستقرار حال الحركة محال فيكون تعليق الرؤية عليها تعليقا بالمحال.
فلا يدل على إمكان المعلق بل على استحالته.
والجواب إنه علقه على استقرار الجبل من حيث هو من غير قيد بحال السكون أو الحركة.
وإلا لزم الإضمار في الكلام وأنه أي استقرار الجبل من حيث هو ممكن قطعا.
إذ لو فرض وقوعه لم يلزم منه محال لذاته.
وأيضا فاستقرار الجبل عند حركته أي في زمانها ليس بمحال.
إذ في ذلك الوقت قد يحصل الاستقرار بدل الحركة ولا محذور فيه إنما المحال هو الاستقرار مع الحركة أي كونهما مجتمعين لا وقوع شيء منهما في وقت آخر بدل صاحبه.
الثاني من الوجهين أنه لم يقصد من التعليق المذكور بيان إمكان الرؤية أو امتناعها بل بيان عدم وقوعها لعدم المعلق به وهو الاستقرار سواء كان ممكنا أو ممتنعا.
فلا يلزم إمكان المعلق.
والجواب إنه قد لا يقصد الشيء في الكلام قصدا بالذات ويلزم منه لزوما قطعيا والحال هاهنا كذلك فإنه إذا فرض وقوع الشرط الذي هو ممكن في نفسه فإما أن يقع المشروط فيكون هو أيضا ممكنا.
وإلا فلا معنى للتعليق به.
وإيراد الشرط والمشروط لأنه حينئذ منتف على تقديري وجود الشرط وعدمه.
لا يقال فائدة التعليق ربط العدم بالعدم مع السكوت عن ربط الوجود بالوجود لأنا نقول إن المتبادر في اللغة من مثل قولنا إن ضربتني ضربتك.
هو الربط في جانبي الوجود والعدم معا لا في جانب العدم فقط كما هو المعتبر في الشرط المصطلح.
تذنيب كل ما سنتلوه عليك في المقام الثاني مما يدل على وقوع الرؤية فهو دليل على جوازها وصحتها بلا شبهة فلا نطول بذكرها في هذا الكتاب كما فعله جمع من الأصحاب، والله الموفق للصواب.
المسلك الثاني من مسلكي صحة الرؤية هو العقل.
والعمدة في المسلك العقلي مسلك الوجود.
وهو طريقة الشيخ أبي الحسن والقاضي أبي بكر وأكثر أئمتنا.
وتحريره أنا نرى الأعراض كالألوان والأضواء وغيرهما من الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
وهذا ظاهر.
ونرى الجوهر أيضا.
وذلك لأنا نرى الطول والعرض في الجسم؛ ولهذا نميز الطويل من العريض، ونميز الطويل من الأطول، وليس الطول والعرض عرضين قائمين بالجسم لما تقرر من أنه مركب من الجواهر الفردة، فالطول مثلا إن قام بجزء واحد منها فذلك الجزء يكون أكثر حجما من جزء آخر فيقبل القسمة، هذا خلف.
وإن قام بأكثر من جزء واحد لزم قيام العرض الواحد بمحلين، وهو محال.
فرؤية الطول والعرض هي رؤية الجواهر التي تركب منها الجسم فقد ثبت أن صحة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض.
وهذه الصحة لها علة مختصة بحال وجودهما.
وذلك لتحققها عند الوجود كما عرفت وانتفائها عند العدم فإن الأجسام والأعراض لو كانت معدومة لاستحال كونها مرتبة بالضرورة والاتفاق ولولا تحقق أمر مصحح حال الوجود غير متحقق حال العدم لكان ذلك أي اختصاص الصحة بحال الوجود ترجيحا بلا مرجح لأن نسبة الصحة على تقدير استغنائها عن العلة إلى طرفي الوجود والعدم على سواء وهذه العلة المصححة للرؤية لابد من أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض.
وإلا لزم تعليل الأمر الواحد وهو صحة كون الشيء مرئيا بالعلل المختلفة وهي الأمور المختصة إما بالجواهر وإما بالأعراض.
وهو غير جائز لما مر في مباحث العلل ثم نقول هذه العلة المشتركة إما الوجود أو الحدوث.
إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما.
فإن الأجسام لا توافق الألوان في صفة عامة بتوهم كونها مصححة سوى هذين لكن الحدوث لا يصلح أن يكون علة للصحة لأنه عبارة عن الوجود مع اعتبار عدم سابق.
والعدم لا يصلح أن يكون جزءا للعلة لأن التأثير صفة إثبات فلا يتصف به العدم.
ولا ما هو مركب منه.
وإذا أسقط العدم عن درجة الاعتبار لم يبق إلا الوجود، فإذن هي أي العلة المشتركة الوجود، وأنه مشترك بينهما وبين الواجب لما تقدم من اشتراك الوجود بين الموجودات كلها، فعلة صحة الرؤية متحققة في حق الله تعالى فيتحقق صحة الرؤية، وهو المطلوب.